اجعل الآخرين يعملون لصالحك

التعاقد مع جهات أخرى لتنفيذ بعض أنشطة إنشاء القيمة لديك لا يساعدك على خفض تكاليفك وحسب ولكنه يتمخّض أيضاً عن مزايا أخرى لنموذج عملك بما فيها رفع جودة الإنتاج والموثوقية والتغطية. يحظى التعاقد مع جهات خارجية باهتمام خاص إذا كان نموذج عملك يتطلب الإنتاج أو خطوت الإنجاز التي يتخصص بها لاعبون آخرون في السوق. ترتفع الإمكانات المتحققة من التعاقد مع جهات خارجية أيضاً إذا تمكّنت من استغلال الوقت الذي تشهد فيه المنشآت التصنيعية أو اللوجستية ركوداً في العمل بحيث تحقق وضع الرابح – رابح لك ولأولئك الذين تتعاقد معهم لإنجاز بعض الأنشطة.

حتى تتمكن الشركة الناشئة في قطاع المياه والصرف الصحيّ من الوصول إلى كامل طاقتها العملية، عليها أن تؤدّي مجموعة كاملة من الأنشطة التي سوف تتباين تبايناً عظيماً فيما بينها. من حيث المبدأ، تحتكم المنشأة اليافعة إلى موازنة وخبرة ومهارات ومعرفة محدودة.

قد يحمل تخصيص الموارد الملائمة لكل مجموعة من الأنشطة تحدّيات. فإذا كانت الشركة تستثمر العديد من الموارد في الأنشطة غير الأساسية (الأنشطة التي لا ترتبط مباشرة بإنشاء القيمة لخدمتك/لمنتجك)، ففي هذا مخاطر تتمثل بعدم وجود ما يكفي من الموارد المتبقية للأنشطة التي من الضروري إنجازها بناء على مقترح القيمة لها. بالمثل، إذا أغفلت شركة ما بعضاً من أنشطتها غير الضرورية، فقد تلحق الضرر بنموذج عملها ككل.

في أغلب الأحيان، تفتقر الشركة إلى قدرات إنتاجية في موضعها لإنجاز مقترح القيمة الخاص بها على نحو شامل وقد يتطلب بناؤها من نقطة الصفر استثمارات ضخمة مسبقاً والتي قد يكون من الصعب التوفيق بينها بالنسبة لشركة ناشئة.

من ناحية أخرى، تمتلك شركات أخرى في السوق قدرات إنتاج متطورة تماماً وقد لا تستخدمها كاملة ما يوفر أرضاً خصبة لإبرام اتفاقية منعفة متبادلة. قد يكون هذا هو الحال ذاته بالنسبة للوجستيات والمبيعات وغيرها من مجالات العمل الرئيسية لدى الشركات الناشئة.

يمكن أن تكون الاستفادة من الخدمات المتخصصة المتوفرة في السوق بدلاً من إنفاق الموارد في محاولة لعمل كل شيء بنفسك (ربما بمستوى منخفض) خياراً جذاباً للشركات الفتيّة.

عندما تجد نفسك أمام مجموعة متنوعة من المهام لإنجاز مقترح القيمة لديك، أنت تمتلك خياريْن اثنين: إما أن تستثمر الوقت والموارد والجهود في إنشاء الهياكل اللازمة لأداء الأنشطة داخل الشركة، أو أن تدفع أو أن تتعاقد مع شركة متخصصة لعملها بالنيابة عن شركتك. يمكن أن يساعد تطبيق الخيار الأخير على أنشطة عمل مختارة بعناية في خفض التكاليف ورفع مستوى الجودة من خلال الحصول على شركة خارجية لإنجاز خدمة أكثر تخصصاً بكثير أو تحرير الموارد والوقت لإنفاقه في إنجاز أنشطة أساسية.

يكتسب التعاقد مع جهات خارجية المزيد من الشعبية ضمن ممارسات الأعمال التي تستعين بشركة خارجية لتنفيذ نشاط أو أكثر كان بالإمكان تنفيذه في الوضع التقليدي  داخل الشركة ذاتها. من العناصر الرئيسة في هذه الاستراتيجية يتمثّل إذن في تحديد الشركات المتوفرة فعلاً في السوق والمجهّزة بشكل أفضل من شركتك لإنجاز بعض الأنشطة التي تقوم بها شركتك.

لرفد نموذج عملك في مجال المياه والصرف الصحيّ أو النفايات، هناك أنشطة رئيسية متنوعة يمكنك دراسة التعاقد مع جهات خارجية لإنجازها بما فيها ما يلي وإن لم يكن مقتصراً عليه:

• اللوجستيات: وبخاصة عندما يتصل الأمر باسترجاع الموارد من النفايات أو من المياه العادمة وإعادة استخدامها، في أغلب الأحيان يبعد مصدر النفايات عن نقطة استخدام المنتجات النهائية المخصصة لإعادة استخدامها ما قد يجعل تكاليف النقل عبئاً مالياً رئيساً آخر.
• الإنتاج: يتطلب إنشاء خط إنتاج كامل استثمارات كثيفة. بالنسبة لحلول معالجة المياه (المياه العادمة) اللامركزية، قد يكون من الأفضل لك أن تعود إلى مصنّعي الخزانات والأنابيب والأجهزة الفنية...الخ  المعروفين في السوق لإنتاج الأجزاء التي يحتاجها تنفيذ الحل الموجود لديك بدلاً من إنشاء موقع الإنتاج الخاص بك.
• الإنتاج والصيانة:  : إذا كان لديك مقترح قيمة يعد بإنجاز خدمات المياه أو الصرف الصحيّ المبنية على منتج ما، عليك أن تتأكد من التشغيل والصيانة بالشكل الصحيح. قد يتمكن السباكون أو غيرهم من موفري الخدمات في مجال عملك من القيام بهذه المهام وإنجازها بدلاً عنك.
• التسويق والمبيعات: يتطلب تطوير منتج له صلة بالمياه مثل فلتر أو مجموعة أدوات فحص (كِت/عدة فحص) وصنعه قدرات مختلفة تماماً عن القدرات المطلوبة لبيعه. فالعمل مع تجار التجزئة أو الشركاء الذين يستهدفون شرائح العملاء نفسها قد يكون أكثر كفاءة وفاعلية من حيث الكلفة مقارنة بالاستثمار في إنشاء فريق المبيعات الخاص بك.
• الحملات والاتصال : التوعية وإنشاء الطلب تحدّيان رئيسيان للرياديين الخضر (المشتغلين في الشأن البيئي). في الوقت ذاته، قد تكون هناك تضاربات وأهداف ومصالح/اهتمامات لدى المنظمات غير الحكومية في المجال البيئي أو لدى المؤسسات الحكومية أو مبادرات المجتمع المدني المتصلة بسوقك. تأكد فيما إذا كنت تستطيع الدخول في شراكة معها للتخفيف من العبء عليك.

إلى جانب خفض التكاليف، ما هي المنافع المحتملة لـ استراتيجية إنجاز المهام لدى شركات خارجية؟

• تحرير الموارد لصالح النواحي الأساسية في عملك: من خلال إنجاز الأنشطة غير الأساسية لدى جهات خارجية، تتمكن الشركة في تركيز اهتمامها بما تحسن القيام به. كما ينطوي تنفيذ الأنشطة لدى جهات خارجية على الحاجة إلى توظيف عدد أقل من الأشخاص وخفض التكاليف الثابتة.
• الاستفادة من مجموعة أوسع من المواهب: تنفيذ الأنشطة لدى شركات متخصصة يتيح لك إمكانية الوصول إلى كوادرها المتخصصة وقدراتها.
• قابلية التوسع والمرونة: عندما تنجز شركتك بعضاً من أنشطتها لدى جهات خارجية، يصبح لديك الكثير من المرونة للتوسع في أنشطتك إن كنت تمرّ في مرحلة من النمو السريع.

هل تتساءل فيما إذا كان إنجاز الأنشطة لدى جهات خارجية نهجاً صحيحاً لعملك؟ فيما يلي ثلاث نقاط رئيسة عليك أن تأخذها بالحسبان قبل تطبيق الاستراتيجية وإن لم تكن هذه النقاط تغطّي كل الأمور:

1. يجب ضخ المزيد من الموارد في الاتصال والتنسيق. قد تواجه تحدّيات في الحفاظ على اتصالات جيدة وكفؤة مع المقاولين الجدد الذين تعمل معهم في بعض الأحيان وبخاصة عندما يتواجدون في أنحاء مختلفة من العالم ولديهم ثقافة مختلفة في العمل.
2. إحدى أكبر المقايضات في هذه الاستراتيجية تكمن في أنه يتعين عليك أن تتخلى عن جزء من السيطرة على   سلسلة القيمة لديك. لذا، من المهم لك أن تستوفي الخدمة التي تنفّذ خارج الشركة المعايير المحددة منذ البداية في العقد بغض النظر عن هذه الخدمة. لا تنسى أن الإخفاق في هذه الجزئية يمكن أن يعرّضك لمخاطر المساس بمقترح القيمة الخاص بشركتك.
3. ثمة نقطة واحدة أخيرة عليك البحث فيها ألا وهي كيف سيؤثر إنجاز الأنشطة خارج الشركة على تجربة العملاء لخدماتك (إن كان ثمة تأثير من هذا النوع على الإطلاق). سوف يعتمد هذا على ماهية الأنشطة الموجودة في نموذج عملك والتي تنجزها لدى جهات خارجية ومن هم المقاولون الذي تتعاقد معهم وماهية العلاقة التي تربطك بهم. سوف تتمكن من اتخاذ قرارات أكثر استنارة عند التعاقد مع جهات خارجية إن أنت حددت عناصر المفاضلة والقيمة المضافة التي تحققها شركتك بفضل هذه التعاقدات. على سبيل المثال، إذا كان عامل المفاضلة لديك هو أن موظفيك الذين يقدّمون الخدمة ودودين وعلى قدر كبير من الأناقة، قد لا ترغب في التعاقد مع جهات خارجية لإنجاز أنشطة تقديم الخدمة في شركتك إذ سيكون من الصعب عليك مراقبة الطريقة التي يقدمون بها خدمتك ولربّما كانت هناك مخاطرة تتمثل في خسارة العملاء.

ينبغي أن يجعل هذا النوع من التعاقدات حياتك أسهل كما يقال؛ إذن، بغض النظر عن مدى انخفاض أسعار شركة أخرى ومدى الكفاءة التي يمكنها أن تنجز العمل بها لك، إذا اقترن هذا التعاقد مع العديد من المقايضات يصبح حينها عائقاً بدلاً من أن يكون معيناً لك. لذا، قبل أن تتخذ قرارك في اللجوء إلى هذا التعاقد، تأكّد من أنك قد أجريت تحليلاً عميقاً للمخاطر وأن تستعدّ لأية نتائج قد يتمخض عنها هذا التعاقد في نهاية المطاف.

عندما يتم التعاقد بشكل استراتيجي وفي الوقت ذاته تتوفر الحماية لمقترح القيمة ولثقافة الشركة، يمكن الخروج بحصيلة من المنافع الملحوظة على جميع الأصعدة. 

كومبوست بلدي منشأة لبنانية اجتماعية تعمل في إدارة النفايات وقد تأسست في 2017 استجابة لأزمة النفايات المتواصلة في بيروت. يتلخص عمل المنشأة الرئيس في إعادة استخدام النفايات العضوية وتوفير حلول إدارة النفايات لمختلف مستويات العمل وأحجامه. تنجز المنشأة أنشطتها اللوجستية حالياً لدى شركة توصيل متخصصة. كانت المنشأة أمام خياريْن اثنيْن عندما تعلق الأمر في كيفية جمع النفايات ونقلها إلى محطة المعالجة: (1) كان بإمكانها إما امتلاك البنية التحية والموارد اللازمة لجمع النفايات ونقلها بما في ذلك (شاحنة نقل النفايات وتوظيف سائق وأفراد لجمع النفايات والوقود...الخ) أو (2) بإمكانها التعاقد مع شركة متخصصة لإنجاز هذا النشاط وتحرير الموارد للتركيز على أنشطة إنشاء القيمة الأساسية لديها (إنتاج الكومبوست).

حيث أن المنشأة ما زالت يافعة وترغب في التركيز على اختصاصها (إنتاج الكومبوست)، قررت كومبوست بلدي اللجوء إلى الخيار الثاني واستطاعت أن تؤمّن شريكاً استراتيجياً محليّاً لا يوفر لها خدمة جمع النفايات ونقلها وحسب بل أنه يغطّي جميع اللوجستيات الضرورية بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بمناولة النفايات.

كومبوست بلدي في الواقع العملي – المصدر: كومبوست بلدي Compost Baladi

Innovating Green Technology التكنولوجيا الخضراء الابتكارية IGT  شركة فتيّة مقرّها في لبنان تعمل في تطوير مجموعة واسعة النطاق من النُّهُج المعتمدة على الطاقة الشمسية والمصممة حسب الطلب والمخصصة للتصدّي إلى تحدّيات المياه والصرف الصحي والطاقة.

أطلقت شركة IGT ضمن مجموعة الحلول لديها حلّاً يُدعى الدرع الواقي وهو عبارة عن حلٍّ ابتكاري لمشكلة ارتفاع درجة الحرارة التي تتعرض لها سخّانات المياه العاملة بالطاقة الشمسية وبخاصة في المناطق التي تمتاز بسطوع الشمس على فترات طويلة فيها كما هو الحال في الشرق الأوسط حيث يمكن لارتفاع درجة حرارة سخانات المياه بالطاقة الشمسية أن تؤدّي إلى فاقد مياه يصل إلى 30% كما يقلص مدى حياة السخان إلى النصف بالإضافة إلى خفض كفاءة سخان المياه الشمسي بنسبة 30-40%.

بهدف الوصول إلى العملاء، عقدت IGT شراكة مع موفّري سخانات المياه الذين يوزّعون آلية الدرع الواقي كخدمة إضافية مما أسهم في خفض تكاليف التسويق للشركة (مثلاً الوصول إلى العملاء المهتمين في شراء سخان مياه شمسي أو يمتلكون واحداً منها) بالإضافة إلى نقل وتوزيع الدرع الواقي نفسه.

مُنتَج الدرع الواقي. المصدر: IGT . (http://igtlb.com/